Shifaa Murad

 

شفاء من ذوي الهمم ولدت في مدينة داريّا
بريف دمشق , ومضت الأيّام إلى أن  أصبح عمرها
ستة سنوات , و التحقت بالمدرسة كباقي أقرانها من الأطفال , وبدأت  مرحلة البحث عن مدرسة  تستقبلها في داريّا لكنّها للأسف لم تجد  المدرسة 
التي تتناسب مع وضعها مما دفع عائلتها للبحث في دمشق إلى أن وجدوا مدرسة خاصّة
بذوي الهمم في منطقة باب مصلّى وأسمها مدرسة “الأمل ” و هنا بدأت مرحلة التحدي
والمعناة والإصرار على العلم .

.للأسف منذ البداية لم يكن هناك قناعة بقدرات
أي شخص من ذوي الهمم والبعض يطلق عليهم مسمّى (ذوي الاحتياجات الخاصّة) وللأسف ليس
لدى البعض إيمان بوجودهم و حقهم حتّى في التعلم, وأنهم يستطيعوا أن يقدموا لأنفسهم
, وللمجتمع أشياء كثيرة , وجميلة رغم الإعاقة 
التي يعانون منها كما واجهت شفاء تحدّيات كبيرة بالنّسبة للتعليم والمناهج الدّراسيّة
ومرّت الأيام إلى أن أنهت شفاء المرحلة الابتدائية , وهنا أخذت أسرتها قرار مهم جداَ
أن تنتقل إلى مدرسة أخرى تراعي وضعها الصحي والنفسي  و هذا القرار كان في نهاية الصّف الثامن الابتدائي,
وهنا بدأت مرحلة البحث عن مدرسة في منطقتها داريّا متخصصة بتعليم ذوي الهمم , وفي بداية
العام الدّراسيّ الجديد عثرت الأسرة على مدرسة الحكمة , ونقلتُ إليها وبدأت حياتها
تتغير, ودخلت الفرحة الى قلب شفاء لأول مرة 
, واستقبلتها مديرة المدرسة ورحّبت بي أجمل ترحيب وقالت أمام جميع الطّالبات
اليوم لدينا طالبة جديدة  لنرحب بها ونضعها
في عيوننا , ومن يزعجها كأنه أزعجني أنا في أي كلمة أو تصرف , وارجوا  مراعاة مشاعرها في هذه اللحظة شعرت  شفاء بفرحة لا توصف غمرت قلبها و أكرمها الله بصديقات
ارتاح لهم قلبها كثيراَ , ومن أول يوم لها في المدرسة شعرت أنَّ لا فرق بينها ,وبينهم
وهنا بدأت مرحلة التحدّي والاجتهاد وتدارك التَّقصير في المناهج .

حاولت المعلِّمات مساعدة شفاء في تدارك
التقصير في المعلومات الدّراسية , والأساسيّات المهمة من مادة الرياضيات واللّغات
, وتابعت شفاء دراستها حتى وصلت الى المرحلة الثانوية ,  و لكن اشتعال الثورة السّوريّة حال متابعة دراستها
ودفعتها الظروف لترك بلدتها داريا , واللجوء إلى منطقة ركن الدين في ريف دمشق  مع أسرتها السكن في بيت أحد أقاربهم مدة تقارب الست
أشهر, و في تلك الفترة تركت الدراسة لأنها 
لم أجد مدرسة قريبة لتكمل تعليمها , وفي تلك المرحلة استطاعت شفاء أن تشغل نفسها
بقراءة الكتب الثقافية والدينية بالإضافة لهوايات أخرى هي الكتابة حيث بدأت تكتب كل
ما يجول في خاطرها من أسرار بينها وبين نفسها , و كتبت عن أحلامها وطموحاتها , وسجلت
الأحداث  التي مرت بها كل يوم وحاولت إدراكها
واستغلالها لصالحها , وعملت على تطوير نفسها , و متابعة تحسين لغتها الإنجليزية طوال
فترة السّتة أشهر التّي مكثت فيها في البيت, وكانت أيامها تمر بين التحدّي والمعاناة
, والإصرار على الهدف والتطّور كانت الأيام تجري مسرعة بعد ذلك انتقلت شفاء وأسرتها  إلى منطقة بلودان الجبلية  التي تقع في غربي ريف دمشق , وبدأ نمط جديد من الحياة
الجديدة بين الصعبة أحياناَ , والممتعة أحياناً أخرى, والمتعبة في كثير من الأحيان
هنا كبر التحدّي لكن  شفاء تغلّبت عليه بإرادتها
وتوفيق من الله  كان التنقل والحركة صعباً بالنسبة
لشفاء لأن بلودان منطقة جبلية حاولت عائلتها مساعدتها في تلك الفترة كثيراً في التنقل
و للأسف حتى في منطقة بلودان لم تستطع شفاء إكمال دراستها, وهنا مرَّت سنة أخرى ما
بين القراءة الكتب ودراسة اللغة والكتابة و حاولت جاهدةً أن تشغل نفسها بأشياء مفيد
وفي كلِّ خطوة تمشيها شفاء كانت تزيدها ثقة في نفسها وتسعى نحو الأفضل مهما كانت تلك
الخطوة  بسيطة كتعلم رسمة جديدة مثلاً حتى لا
تشعر أنَّها مختلفة عن غيرها أو أن تشعر بالنّقص لأن تلك المشاعر إن دخلت للقلب تدمّره
حرصت شفاء أن لا يحصل ذلك .

بعد فترةٍ وجيزةٍ سافرت شفاء مع أسرتها
الى لبنان لرؤية أخيها وأسرته ولم يستطيعوا العودة الى سوريا وهنا بدأت حياة جديدة
بالنسبة لشفاء , وفي يوم من الأيام كانت  شفاء
في زيارة لإحدى صديقاتها وأخبرتها  أن مركز
للأمم المتّحدة يطلب متطوعة شريطة أن تكون من ذوي الهمم(على كرسي متحرّك)  وسألتها إن كان لديها الرغبة في العمل ردت شفاء
بكل  سرور وتأكيد بعد عدّة أيام كان عندي مقابلة
مع فريق الأمم المتحدة , واستطاعت شفاء الحصول على فرصة العمل .

كانت مهمَّتها إحصاء عدد العائلات السورية
اللّواتي دخلن إلى لبنان وتسليمهم كرت غذائي حسب عدد أفراد الأسرة  أستمرت شفاء في عملها حوالي العام لكن للأسف أجبرت
على ترك المنزل الذي كانت تسكن فيه , ولم تعد تستطع حضور الاجتماعات الشهرية  التي تخص العمل بعد فترة قادتها الاقدار إلى معهد
قريب جداَ من البيت يعلّم اللغة الإنكليزية والحلاقة النسائية , والاسعافات الاولية
فبادرت بالتسجيل مباشرة , والتحقت بكل البرامج الموجودة كان أخوها يساعدها على الوصول
الى المعهد, ومنذ مجيئها إلى تركيّا بدأت أحلام شفاء تكبر , وثقتها بنفسها تزداد يوما
بعد يوم   فقد بدأت حضور دورات عن دعم المرأة,
والثّقة بالنفس والانتخابات وحقوق الإنسان وكان من أسباب وجودها في تلك التدريبات  كانت إدارة تستقل بكل كادرها التدريسي , وفي نهاية
الدورة حصلت شفاء على شهادة حضور من الجامعة الأميركيّة (جورج ميسن)  وكانت المفاجأة عند انتهاء الدّورة  هي ترشيح 
شفاء من قبل الإدارة لتكون من رؤساء المراكز الأساسييّن , وحاليا تشغل شفاء
مركز مساعدة لمديرة مركز تستقل في عينتاب .

لم ترى شفاء يوما أحلامها بشيء مستحيل لأنها
ترى أن العقل والإرادة  هما الذين يصنعان المستحيل
مع وجود الأمل تقول شفاء  لا أحب أن أعيش وأنا
معتمدة على أحد و من حقّي أن أعيش مستقلة عن الأخرين كما أريد ومن حقي وحق كل شخص عاقل
أن لا يشعر أنه عبئ على أحد وأن حياته وشؤونه وتدبير وأموره تقف على أشخاص إذا أشغلتهم
شؤون الحياة عنهم انهارت كل حياتهم وطموحاتهم هذا تفكير غير سليم فقد خلق ذوي الهمم
بقلوب رائعة وأن يكون لديهم حق في تقرير المصير والاختيار والقرار طالما العقل سليم
فلا شئ يعيق العيش  في حياة  يملؤها الحب , كما أن ذوي الهمم من حقّهم أن يكون
لديهم شريك حياة طالما لديهم قلب سليم , ومن حقهم أخذ القرار كما يختاروا هم أنفسهم
لأن تلك حياتهم وسيعيشون فيها لمرة واحدة فقط , ومخطأ جداَ من يقول أن الإعاقة سبب
من أسباب عدم تحقيق حلم من الأحلام أو سبب من أسباب عدم النجاح في الحياة على العكس
أنني أجد في الإعاقة حياة ورضا وسكينة ,وفي الختام أحب أن أقول لكل عائلة لديها شخص
من ذوي الهمم أحب أن أقول لهم الحب معاملة وبقدر محبتكم إلى أبنائكن وبناتكن اللواتي
هم هديّة من الله الوهّاب بقدر ما يجب أن تعاملوهن بحب ورحمة فهم بحاجة لكم أنتم فقط
أن تؤمنوا بهم كأشخاص مثلكم وتؤمنوا وبقدراتهم وتؤمنوا بوجودهم وأحلامهم  وتساعدوهم في تحقيقها وتؤمنوا أنّ السلامة الحقيقية
سلامة العقل لأن الجسد يفنى  عند كل النّاس
والبشاعة تكمن في النفوس لا في الأشكال التّي 
هي خارج إرادتنا أرجوا من كل الناس أن تصلهم هذه الرسالة وتكون مصدر توعية لمن
حولهم .وفي الختام أجد متعة في المساعدة حينما يقولون عنّي لديَّ مشكلة وأساعد أشخاص
من خارج ذوي الهمم.